فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)}.
ثم إن الله عز وجل لما أراد إظهار أمره في نجاة بني إسرائيل وغرق فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بني إسرائيل ليلًا من مصر، وأخبر أنهم سيتبعون وأمره بالسير تجاه البحر، وأمره بأن يستعير بنو إسرائيل حلي القبط وأموالهم وأن يستكثروا من أخذ أموالهم كيف ما استطاعوا هذا فيما رواه بعض المفسرين، وأمره باتخاذ خبز الزاد، فروي أنه أمر باتخاذه فطيرًا لأنه أبقى وأثبت، وروي أن الحركة أعجلتهم عن اختمار خبز الزاد، وخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل سحرًا فترك الطريق إلى الشام على يساره وتوجه نحو البحر، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق فيقول موسى هكذا أمرت، فلما أصبح فرعون وعلم بسرى موسى ببني إسرائيل خرج في أثرهم وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر، فروي أنه لحقه ومعه ستمائة ألف أدهم من الخيل حاشى سائر الألوان، وروي أن بني إسرائيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفًا قاله ابن عباس والله أعلم بصحته، وإنما اللازم من الآية الذي يقطع به أن موسى عليه السلام خرج بجمع عظيم من بني إسرائيل وأن فرعون تبعه بأضعاف ذلك العدد، قال ابن عباس كان مع فرعون ألف جبار كلهم عليه تاج وكلهم أمير خيل، والشرذمة الجمع القليل المحتقر، وشرذمة كل شيء بقيته الخسيسة وأنشد أبو عبيدة: تخذين في شراذم النعال.
وقال الآخر: الرجز:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق ** شراذم يضحك منها النواق

وقوله: {لغائظون} يريد بخلافهم الأمر وبأخذهم الأموال عارية وتفلتهم منهم تلك الليلة على ما روي، قال أبو حاتم، وقرأ من لا يؤخذ عنه: {لشر ذمة قليلون} وليست هذه موثوقة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {حذرون} وهو جمع حذر وهو المطبوع على الحذر وهو هاهنا غير عامل، وكذلك هو في قول أبي أحمر: السريع:
هل ينسئن يومي إلى غيره ** أنى حوالى وإني حذر

واختلف في عمل فعل فقال سيبويه إنه عامل وأنشد: الكامل:
حذر أمورًا لا تضير وآمن ** ما ليس منجيه من الأقدار

وادعى اللاحقي تدليس هذا البيت على سيبويه، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {حاذرون} وهو الذي أخذ يحذر، وقال عباس بن مرداس: الوافر:
وأني حاذر أنهي سلاحي ** إلى أوصال ذيال صنيع

وقرأ ابن أبي عمارة وسميط بن عجلان {حادرون} بالدال غير منقوطة من قولهم عين حدرة أي معينة فالمعنى ممتلئون غضبًا وأنفة، والضمير في قوله: {فأخرجناهم} عائد على القبط، والجنات والعيون بحافتي النيل في أسوان إلى رشيد قال ابن عمرو وغيره، والكنوز قيل هي إشارة إلى الأموال التي احتجنوها قال مجاهد لأنهم لم ينفقوها قط في طاعة، وقيل هي إشارة إلى كنوز المعظم ومطالبه وهي باقية إلى اليوم، والمقام الكريم قال ابن لهيعة هو الفيوم، وقيل يعني به المنابر، وقيل مجالس الأمراء والحكام، وقال النقاش المساكن الحسان، وقرأ الأعرج وقتادة بضم الميم من {مُقام} وتوريث بني إسرائيل يحتمل مقصدين: أحدهما أنه تعالى ورثهم هذه الصفة من أرض الشام، والآخر أنه ورثهم مصر ولكن بعد مدة طويلة من الدهر قاله الحسن، على أن التواريخ لم تتضمن ملك بني إسرائيل في مصر و{مشرقين}، معناه عند شروق الشمس، أي حين دخلوا فيه، وقيل معناه نحو الشرق، وقرأ الحسن {فاتّبعوهم} بصلة الألف وشد التاء، والجمهور على قطع الألف وسكون التاء. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِنَّكم مُتَّبَعُونَ} أي: يَتبعكم فرعون وقومه.
قوله تعالى: {إِنَّ هؤلاء} المعنى: وقال فرعون: إِن هؤلاء، يعني بني إِسرائيل {لَشِرْذِمَةٌ} قال ابن قتيبة: أي: طائفة.
قال الزجاج: والشرذمة في كلام العرب: القليل.
قال المفسرون: وكانوا ستمائة ألف، وإِنما استقلَّهم بالإِضافة إِلى جنده، وكان جنده لا يُحصى.
قوله تعالى: {وإِنَّهم لَنَا لَغَائِظُون} تقول: غاظني الشيء، إِذا أغضبك.
قال ابن جرير: وذُكر أن غيظهم كان لقتل الملائكة من قَتَلَتْ من أبكارهم.
قال: ويحتمل أن غيظهم لذهابهم بالعواري التي استعاروها من حُليِّهم، ويحتمل أن يكون لفراقهم إِياهم وخروجهم من أرضهم على كُره منهم.
قوله تعالى: {وإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرون} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {حَذِرون} بغير ألف.
وقرأ الباقون: {حاذِرون} بألف.
وهل بينهما فرق؟ فيه قولان.
أحدهما: أن الحاذر: المستعدُّ، والحذر: المتيقّظ، وجاء في التفسير أن معنى حاذرين: مُؤْدُون، أي: ذَوو أداة، وهي السلاح، لأنها أداة الحرب.
والثاني: أنهما لغتان معناهما واحد؛ قال أبو عبيدة: يقال: رجل حَذِرٌ وحَذُرٌ وحاذرٌ.
والمَقام الكريم: المنزل الحسن.
وفي قوله: {كذلك} قولان.
أحدهما: كذلك أفعل بمن عصاني، قاله ابن السائب.
والثاني: الأمر كذلك، أي: كما وصفنا، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وأورثناها بني إِسرائيل} وذلك أن الله تعالى ردَّهم إِلى مصر بعد غرق فرعون، وأعطاهم ما كان لفرعون وقومه من المساكن والأموال.
قال ابن جرير الطبري: إِنما جعل ديار آل فرعون مُلْكًا لبني إِسرائيل، ولم يَرْدُدْهم إِليها لكنه جعل مساكنهم الشام.
قوله تعالى: {فأَتْبَعُوهم} قال ابن قتيبة: لحقوهم {مُشْرِقِين} أي: حين شَرَقت الشمس، أي: طلعت، يقال: أشْرَقْنا: دخلنا في الشُّروق، كما يقال: أمسينا وأصبحنا.
وقرأ الحسن، وأيوب السَّخْتِياني: {فاتَّبعوهم} بالتشديد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بعبادي إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ}.
لما كان من سنته تعالى في عباده إنجاء المؤمنين المصدقين من أوليائه، المعترفين برسالة رسله وأنبيائه، وإهلاك الكافرين المكذبين لهم من أعدائه، أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلًا وسماهم عباده؛ لأنهم آمنوا بموسى.
ومعنى: {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} أي يتبعكم فرعون وقومه ليردوكم.
وفي ضمن هذا الكلام تعريفهم أن الله ينجيهم منهم؛ فخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل سَحَرًا، فترك الطريق إلى الشام على يساره وتوجه نحو البحر، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق فيقول: هكذا أمرت.
فلما أصبح فرعون وعلم بسُرَى موسى ببني إسرائيل، خرج في أثرهم، وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر، فروي أنه لحقه ومعه مائة ألف أدهم من الخيل سوى سائر الألوان.
وروي أن بني إسرائيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفًا.
والله أعلم بصحته.
وإنما اللازم من الآية الذي يُقطع به أن موسى عليه السلام خرج بجمع عظيم من بني إسرائيل وأن فرعون تبعه بأضعاف ذلك.
قال ابن عباس: كان مع فرعون ألف جبار كلهم عليه تاج وكلهم أمير خيل.
والشِّرذمة الجمع القليل المحتقر والجمع الشَّراذم.
قال الجوهري: الشِّرذمة الطائفة من الناس والقطعة من الشيء.
وثوب شراذم أي قطع.
وأنشد الثعلبي قول الراجز:
جاء الشتاءُ وثِيَابي أَخْلاقْ ** شَراذِمٌ يَضحكُ منها النَّوَّاقْ

النَّوَّاقْ من الرجال الذي يروض الأمور ويصلحها؛ قاله في الصحاح.
واللام في قوله: {لَشِرْذِمَةٌ} لام توكيد وكثيرًا ما تدخل في خبر إن، إلا أن الكوفيين لا يجيزون إن زيدًا لسوف يقوم.
والدليل على أنه جائز قوله تعالى: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الشعراء: 49] وهذه لام التوكيد بعينها وقد دخلت على سوف؛ قاله النحاس.
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ} أي أعداء لنا لمخالفتهم ديننا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها على ما تقدم.
وماتت أبكارهم تلك الليلة.
وقد مضى هذا في الأعراف وطه مستوفى.
يقال: غاظني كذا وأغاظني.
والغيظ الغضب ومنه التغيظ والاغتياظ.
أي غاظونا بخروجهم من غير إذن.
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ} أي مجتمع أخذنا حِذرنا وأسلحتنا.
وقرىء {حَاذِرُونَ} ومعناه معنى {حَذِرُونَ} أي فرقون خائفون.
قال الجوهري: وقرئ {وَإِنَّا لجمِيعٌ حَاذِرُون} و{حَذِرُونَ} و{حَذُرونَ} بضم الذال حكاه الأخفش؛ ومعنى {حَاذِرُونَ} متأهبون، ومعنى: {حَذِرُونَ} خائفون.
قال النحاس: {حَذِرُونَ} قراءة المدنيين وأبي عمرو، وقراءة أهل الكوفة {حَاذِرُونَ} وهي معروفة عن عبد الله بن مسعود وابن عباس؛ و{حَادِرُونَ} بالدال غير المعجمة قراءة أبي عبّاد وحكاها المهدوي عن ابن أبي عمار، والماوردي والثعلبي عن سُمَيْط بن عجلان.
قال النحاس: أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى {حَذِرُونَ} {وحَاذِرُونَ} واحد.
وهو قول سيبويه وأجاز: هو حذِرٌ زيدا؛ كما يقال: حاذر زيدا، وأنشد:
حَذِرٌ أُمورًا لا تَضِيرُ وآمِنٌ ** ما ليس مُنْجِيَهُ من الأقدارِ

وزعم أبو عمر الجَرْميّ أنه يجوز هو حذرٌ زيدًا على حذف مِن.
فأما أكثر النحويين فيفرقون بين حذِر وحاذر؛ منهم الكسائي والفراء ومحمد بن يزيد؛ فيذهبون إلى أن معنى حذر في خلقته الحذر، أي متيقظ متنبه، فإذا كان هكذا لم يتعدّ، ومعنى حاذر مستعدّ وبهذا جاء التفسير عن المتقدّمين.
قال عبد الله بن مسعود في قول الله عز وجل: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} قال: مؤدون في السلاح والكُراع مُقْوون، فهذا ذاك بعينه.
وقوله: مؤدون معهم أداة.
وقد قيل: إن المعنى: معنا سلاح وليس معهم سلاح يحرضهم على القتال؛ فأما {حادِرون} بالدال المهملة فمشتق من قولهم عين حَدْرة أي ممتلئة؛ أي نحن ممتلئون غيظًا عليهم؛ ومنه قول الشاعر:
وعينٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ ** شُقَّتْ مآقيهمَا مِنْ أُخَرْ